أنتمي..../بقلم/ كارمن أحمد

 أنتمي..

إلى بائع الحلوى الذي قال لي بلهجته الإدلبية المميزة مبتسماً قبل خروجي مع الشعيبيات "صحة وهنا مية السلامة".. أنتمي

إلى الطفل الذي باعني بسكوتة ب "عثرين" متجاوزاً أخطار المارة كطير حر.. أنتمي

إلى سائق أسقطني أرضاً بسيارته ولم يقتنع أني بخير وأن بإمكانه الذهاب مطمئن البال والضمير.. أنتمي

إلى أصوات أكف الأيدي المصفقة والأقدام المرتطمة بالأرض مع إيقاعات الأغاني الشعبية.. أنتمي

إلى كهل يرتدي شروالاً عتيقاً يخفي فيه أسرار عمره.. أنتمي

إلى فلاحة أنهكتها أرضها وتغني لها.. أنتمي

إلى أغنيات ركاب باصات الرحلات.. أنتمي

إلى صانعي دبس الرمان وهبابيل التين.. أنتمي

إلى فطائر الصاج اللذيذة لخابزها الجميل أمام منزلنا.. أنتمي

إلى الحافرين على الخشب والنحاس.. وصانعي السلال.. ومبدعي الرمال الملونة.. أنتمي

إلى بصارة قالت لي يوماً من حكمة حصاها أن أحدهم يعشقني.. أنتمي

إلى تلك الصبية الجميلة التي قاربتني يوماً لترفع معنوياتي وتقول لي إني جميلة وإن شعري المحلوق جميل معتقدةً أني لربما أعاني مرضاً عانت هي منه.. أنتمي

إلى ذاك الشاب الذي رحب بي وقدم لي مأوىً معرفياً وفسحة وجودية.. أنتمي

إلى من لا يعرفني وكلمني مرة ليسألني إن كان لدي أمل.. حتى ينهل قليلاً منه ربما.. واضعاً ثقته في أمل غريبةٍ خائبة.. أنتمي

إلى روح جميلة لم تلتقيني يوماً قالت لي حين عدت إن عائلتها اكتملت.. أنتمي

إلى صادق باح لي مرة بأني سره.. أنتمي

إلى فاتنٍ ساعدني في إعادة وصل مزقي.. وحررني من عبودية حب قديم.. أنتمي

إلى رفيقة روح شبهتها بالأم.. أنتمي

إلى كل من غفر لي أخطائي وأذيتي.. أنتمي

إلى كل من قدم لي شيئاً منه وخذلته.. أنتمي

إلى رائحة الحبق الهاربة من شرفتنا.. أنتمي

إلى كل وردة جورية قطفتها في طفولتي وأغضبت أصحابها.. أنتمي

إلى شجرة الاكي دنيا الكريمة محفزة الشغب والنشل الطفولي.. أنتمي

إلى "الأسمر الحنطاوي" و "ابو القضاضة البيضا" وكل ما نجا في ذاكرة جدتي العتيقة من نغم بدوي قديم.. أنتمي

إلى عازفي المزامير في أجمل قطعة موسيقية سمعتها في حياتي.. أنتمي

إلى الأيادي الحنونة لعارفي سر أوتار العود و "دوم تك" الدف.. أنتمي

إلى أقمار وقناطر وطيور فيروز والرحابنة.. إلى زهور وعشم محمد فوزي.. إلى سنابل وبحر شيخ إمام وغيطان فؤاد نجم.. إلى حارة نجيب محفوظ.. إلى باب شمس الياس خوري.. إلى أرجوحة الماغوط.. أنتمي

إلى كل من كتب حرفاً جميلاً أتعبني وهزمني.. أنتمي

إلى كل من ساعدني على حمل عبء نفسي.. أنتمي

إلى كل الخائفين.. كل المنهكين.. كل الشاردين.. من يكلمون أنفسهم على الطرقات.. إلى الوجوه المتعبة.. والظهور المقسومة.. والأرجل المهزومة.. أنتمي

إلى كل مسجون في رأسه وجسده.. إلى كل مقيد.. إلى كل من يتجنب المرايا.. أنتمي

إلى كل من يهرب إلى النوم خوفاً من كل شيء.. خجلاً من نفسه.. هارباً مبتغياً اختفاءه.. أنتمي

إلى رفيقي في اكتئاب الوجود.. أنتمي

إلى كل الفاقدين والمفقودين.. أنتمي

إلى كل عناق وكل قبلة ردت إلي نفسي.. أنتمي

إلى الحلو الجميل الذي يسعد وجهي وقلبي مذ عرفته.. أنتمي

إلى نقاء أختي.. إلى فرادة أخي.. إلى زهد أبي.. أنتمي

إلى أمي.. أنتمي

إلى جمال كل جميل.. أنتمي


كارمن احمد


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما قبلّ منتصف الليل../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

قَلبي كجسدٍ عارٍ.../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

عرفت فيك هيئة الانسان../بقلم/ مارييل تونجال