الشاعرة : لبنى حمادة


 (على شفير الهاوية.... )


 أطَّلِعُ على العالم كل يوم ...

لأطمئن أن التراب مازال يلعق أقدام العابرين

و يشتهي قطرات الملح الساقطة على جبين النازحين

لأُفكر في بربريّة القدر ...

و هو يتغذى على لحوم البشر 

و يُخبئ القصائد في نفوس لم تحصل على إذنٍ بالمرور


لأتأكد في غمرة لحظات الفجور 

أن تلك الأقراص لن تشفيني من الجنون ...

و لن تغير رأي في الأنتحار....

مجرد تقرح معوي ...

يمنحني رؤيّة جديدة لعالم بغيض 

من خلف الستار .


لا ذكرى لي من أمي ...

سوى شامة بشعة خلف أذني ...

حاولت مراراً إستئصالها 

لكني خشيت من نسيان أمي 

و لا شئ لي من أبي ... 

سوى حدب على ظهري 

أخاف أن أضيع من أبي و أمي ...

فلا يشفع لي أحد في رحم الجحيم .


وجودي هنا لا يعنيني ...

و لا يعني الخلق حولي 

 إني أحترق كُل يومٍ 

ذات صباح أفتح النافذة 

أضع وسادتي لربما تتنفس ...

أو ربما تباركها الملائكة 

فتستكين غيمة في غمار الذاكِرة...

تصيب ذاك اللولب المعدني المغروس في أرضي

و ذلك السد الذي خر و إنهزم ....


اطلق فنجاني ... غضباً ....

سئمت لهو الكافين بعقلي ... 

و هوسي برائحة النيكوتين المثيرة .... 

القادمة من الشرفة المجاورة ...


أُمشِّطُ شعري 

و لا ألتفت لنصفه المتساقط تحتي

وصوت خُلخالي ...

حين أتمايل بكعبٍ هزيل على سجادتي الصوفية ...

كأنه تهويدة الوداع

ينذرني بأن النهاية تقترب...

أتحسس نبضي وأوقظ رغباتي الكسولة ...

فأتذكر بأنها قد ماتت من شدة الظمأ .


أعلم بأن الاحتراق رحمة لقدي الملتهب ... 

رحمة لرطوبة أناملي و هي تُداعب جهازي العصبي 

وإن موت بويضاتي المتكيسة على شراشفي العذراء ....

يجعلني بلا مدد 

طيف عابر تتساقط ورائه الدمعات ثلاث ...

يخلع جلده وأظافره تعظيما لإله لم يره قط ....

و ينتظر رشفة ماء لم يعرف إن كانت سترويه قط 

مجرد طيف يزور الأحلام يحلق بين الأخضر و الأخضر ... 

ليبشر العالمين بإحتراق قريب ...


انقضى ربيع اليوم ... 

مع شمس ذهبت لتشعل حطب التدفئة

تحسباً لميلاد القارعة ...

لا أعلم إن كان سيأتي هذا اليوم ؟

فإني أنتظر ...

فقط أتسائل ... ؟

هل سيقبل التراب مضاجعة غبراء عابرة ... ؟


بيني و بيني ...

اجمع أوراقي الصفراء من قلب الهاوية 

أستظل تحتها -يوم لا ظل- 

ربما سيأتي هذا اليوم ...

أتوضأ و أتعطر ...

لألبي ... لأقرأ 

و لا أشتم إلا رائحة الماء العفنة ...

و يراودني خوف من أن أتجمد ساجدة 


أخشى الأمر 

فأشرع في الغناء

و أشفق على الببغاء ...

ربما أصطحبه معي ...

ستألفه أمي ... و لن يتأذى منه أبي 


أنتهى اليوم ...

لم أجامع قهوتي بعد ...

لكن مازالت رائحة النيكوتين تجذبني


أتعرى ...

أخلع جلدي تعظيمًا لإله لن أره قط ...

و إذا بجاثوم يهمس في أذني ...

لا داع للمقاومة ...

الليل غطيس 

و الغبار على الكتاب كثيف 

و السماء بعيدة

و الجبال لم تصيبها الزلزلة

و لن تستيقظ الشمس 

و لن تدركنا القارعة.... قبل أن ننتهي ...


إن كانت ستأتي …

سنكون قد أعددنا العدة للفناء ...

أتقنا الغناء ...

و غرسنا مائنا في فم التراب 

و قتلنا الببغاء .

لا تخافي .. أستسلمي .



لبنى حمادة 

  مصر


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما قبلّ منتصف الليل../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

قَلبي كجسدٍ عارٍ.../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

عرفت فيك هيئة الانسان../بقلم/ مارييل تونجال