مات مرتين.../بقلم/ مي عطاف


 مات مرتين .


مات مرتين ،

 صرخت والدته لرغبة منها في جعل موته غريبا و لتضفي على موته صفة القداسة وذلك لتغطي إحساسا،ً شدها من نياط  القلب .


لم يكن موته عادياً ،

 حزن الحي برمته على إبراهيم الذي نال اسم أبيه من فرط حبّ الأم لزوجها إبراهيم الذي عشق من النساء ما طاب له حتى كرهته و تحول اسم ابنها إلى لعنة ، كلما نادته قالت  : الله يلعن أبوك إبراهيم .

إبراهيم الاسم الذي جاء فضفاضاً على طفل لم يلبسه حقا ، كأنه استعار الاسم لمدة من الحياة فقط .


كان إبراهيم الأب يرغب بنساء الأرض،

 هكذا أفصح ذات يوم لذا فتح محلاً لبيع اللانجري حيث سيلبي بعض شهوته في معرفة مقاس صدر كل امرأة وصار يعرف البريئات منهن والفاجرات فيستغل الاثنان على حد سواء ،ويضع حمالة الصدر على صدورهن أو يضع تفريعة يستند بها على كتف المرأة أو يشد السترينج عند خصرها ..البريئات يمنعهن من الصدّ الخجل ، والفاجرات يرغبن بلعبة الأنوثة معه.

عمله كان أكثر من صاحب محل لأنه اشتغل على خياله أيضاً حدِّ الانتصاب .


الثقة ليست بصمة...الثقة سلوك ،

 قالت  زوجته حين سمعت وشاهدت بأمّ عينيها كيف يتعامل مع زبونات المحل ، وكيف يُثار ،حينها عرفت لماذا يصرّ على قميصٍ طويل فوق بنطاله ..كان يرخي شهوته المكبوتة بالمحل على جسد زوجته ذاكراً اسم زبونة تخيلها ولم يكمل إفراغ شبقه ، فيفرغ في زوجته مشهدا تخيله بالمحل لينهيه مع زوجته في السرير .


هذه ليست حياة :

 صرخ الرجل في وجه زوجته التي يبدأ توترها وصراخها من الصباح حتى آخر الليل ، يبقى توترها و يقل صراخها  في السرير هكذا قال ، اختار الزوج بديلاً عن حياة النكد أن بدأ بتعاطي الكبتاجون هكذا رمى تهمة شرعية بوجه زوجته  ليزيل عنه مسؤولية ما يحدث، كان يزهزه ضارباً بعرض الحائط صمتها في السرير .


هذه ليست حياة ،

 صرخت المرأة في وجه إبراهيم الابن الذي كان في  الثامنة من عمره  ووبخته على أقل حركة ، كان ضيق صدرها،  يجعلها ترى حركات الابن  بعدسة مكبرة أضعاف المرات .

لو حدث أن جلست وبيدها نرجيلتها وهو يلعب بقربها ..لصرخت به : ابتعد خليني أتنفس .

كان صراخها بوجه ابنها رداً على شعور بالضعف ، فغالباً ما تكون حلقة الصراخ من القوي للضعيف للأضعف .

الضعف والذلّ المعجون بالخجل الذي لبسته لدى خيانة زوجها ،صيَّرها امرأة على الهامش وبات الجميع ينظر لها كامراة ناقصة .

هذا ما لمسته من الأهل والصديقات والشارع ، وسكنها حزن غطّته بمكياج صارخ وحركات امرأة تقهقه لأدنى سبب .


مثلي مثلك ،

 قالت الزوجة لإبراهيم الأب ، الذي كانت تحسده على تلك الحالة من النشوة حين يتناول حبة الكبتاغون ، أما هي كانت تريد أن تنساه وتنسى أفعاله ..لم يمانع زوجها إبراهيم لا بل قال : حنزهزه سوا وليلتنا حمرا ، قارصاً مؤخرتها .


ماما ..بابا  ،

 كان إبراهيم الابن ينادي على كائنين غارقين. هو في وادي وهم صاروا  في وادٍ آخر .

 طفل تغلفه الوحدة ، يمضي لمدرسته دون فطور أو حتى لفافة خبز ، يأخذ نقوده من جيب والده بحركة آلية فقد سبق أن صرخ به حين أيقظه ذات مرة لأجل ذلك وضربه بالساعة : ابن الكلب هي جيبتي قدامك خود مصروفك وانقلع وانشالله تفيقنا مرة تانية ، ويعود ليلف زوجته نصف النائمة .

مضى سنة على إبراهيم الابن ومنزله الشارع وطعامه طعاماً سريعاً محضراً على يدّ أمّ ما زالت بروب النوم ، يُضجرها الكلام معه وتستعيد بعض وعيها عصراً تضع المكياج وتجهز جسدها لليلة منتشية مع زوجها وما أن يحلّ المساء حتى تجبر إبراهيم الابن على النوم باكرا قبل وصول والده .


ماما ..بابا ..ما هذا ؟ 

 سأل إبراهيم عن حبتين ، أراد حديثاً مع والديه كي يسمع صوتهما وكعادتهما لا يجيبان ، بل يكتفيان بالشكوى من ألم الرأس طول النهار ..لم ينتبها حين سألهما عن حبتين من الكبتاجون كانتا موضوعتين على الطاولة ، مرة سأل إبراهيم الابن والده عن هذا الحَب فقال مازحا : إياك تحطو بتمك بتصير تنط متل سعدان .

معتقداً أنه جوابٌ كاف لإبعاد ابنه عن الكبتاجون ..ولم يدرك أن جوابه شكّل دافعاً ورغبة لتناوله لأن الأولاد يحبون القفز كالسعادين .


حبيبي إبراهيم لا تقفز عن البلكون قد تسقط..قد تموت ،

   هكذا تحدثت جارتهم مع إبراهيم الابن الذي كان يضحك بشكل هستيري ويتحدث كمجنون ويقفز كالسعدان على درابزون البلكون في الطابق الثاني لينزل على قرميد الجيران كغزال جبلي ..كان يضحك ولا يهدأ ، تقول جارتهم كأنّ به مسّ العياذ بالله ..ليس إبراهيم ذاته الذي أعرفه ...إبراهيم القليل الإبتسام ، والعيون المنجذبة للأرض والجالس على رصيف الشارع يراقب الأولاد يلعبون وعندما  ينقصهم لاعب يطلبون منه المشاركة ...فتسبقه قدماه فرحاً .


إبراهيم اهدأْ قليلا ،

  قالت له أمه وهي تضربه على مؤخرته ، هلكتنا إهدأ قليلا ...

لكن إبراهيم لم يهدأ بل سقط متكوماً من ألم في صدره وإقياء وغاب عن وعيه .

مضوا به للمشفى ، قاموا بغسيل معدته وأمدوه بالأدوية التي تخرج السموم من جسمه ..كان إبراهيم ينازع على فراش الموت متأثرا بحبتين ..ظاهرا كانتا كبتاجون وباطنا كانتا شبق الزوج وخيانته وضعف الزوجة وإصرارها على أنوثتها ، كانتا حبتين من الوجع والألم والوحدة والقهر والحاجة لأب وأم ...وفارق إبراهيم الحياة.

وشاع الخبر في الحيّ : إبراهيم مات .


قمْ يا إبراهيم من موتك ولا تسامح ،

 جسده أراد أن يقول كلمته بحق طفل عاش وحيداً ..فقد انتفض ثانية من الموت وفتح عينيه . 


إبراهيم عاش ..إبراهيم عاش ،

 صرخ الحيّ ...وقام إبراهيم بإقياءه الأخير في حضن أمه ووجه أبيه، ثم مات تاركا لوالده الاسم الذي كان حباً وصار كرهاً ..الاسم الذي لبسه لتسع سنوات كأنه استعاره من أبيه ولم يكن دافئا ولا حنونا عليه فأعاده إليه .

تبادل الوالدان نظرات الإتهام ...اقترب إبراهيم من زوجته وصفعها وصرخت بوجهه : مات بسببك .

وضع يده على فمها كي لا يعرف أحد ما جرى ، بعد أن كان اتفق مع الطبيب بكتابة تقرير عن موت إبراهيم إثر مرض بالقلب .

ابتلعت الأم حزنها مضاعف مرتين ..وصمتت كنقطة صماء .


شاع الخبر في الحي : إبراهيم مات مرة أخرى ..إبراهيم مات مرتين .

#مي_عطاف


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما قبلّ منتصف الليل../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

قَلبي كجسدٍ عارٍ.../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

عرفت فيك هيئة الانسان../بقلم/ مارييل تونجال