الرسالة الخامسة والعشرون _ قيثارة البهجة... /بقلم/ رشا بكر

 .الرسالة الخامسة والعشرون _ قيثارة البهجة 

عزيزي..

الجالس بجوار نافذة الغربة على مقعدك الوثير، في تراخٍ تركت رأسك إلى الوراء تزاول موهبتك في رسم أحلامك الكبيرة على سقف غرفتك الضيق، البرد قارس، تأخرت شمس الصباح عن الطلوع، تحبك شالك حول رقبتك البيضاء، عاقدًا حاجبيك الكثيفين، تنفخ صهد ضجرك، تسيل قطرات بخار الملل  المتكاثف على الزجاج، الضباب بالخارج يحجب رؤية الأشجار، وتضلا العينان الطريق.  


توقف كرسيك عن الاهتزاز تهب واقفًا بضيق تبحث عن شيء لم يشرق بعد، عن الأهل، عن بلادك البعيدة. 

 الشتاء أوشك على الانتهاء، تهتز أوتار قلبك، تأتي الأخبار السعيدة..  عودتك إلى الديار. و لعلك تعلمت من الألم الكثير أثناء عزلتك.


 تقف دمعة لم تجد لها مستقرًّا ولن تتركها كبرياؤك تسقط على الأرض.


 "عزيزي الذي أراه بقلبي على طول اليوم على طول الوقت والساعات"

  تبحث في كل زاوية أو ركن بارتياب تبحث بحاسوبك، فوق المنضدة، داخل شقوق الجدران السفلية، وتحت وسادتك إلى فوقها بلا جدوى، وقبل أن يخترق الصمت صوت السكون

تغلق الأبواب جميعها..

خلف الباب في ركن منسي أنا مجرد جماد، مختبئة، تتسع عيناك يمطر السقف بالنغمات، يتألق ذهنك فكرًا، تنضح الجدران إبداعًا.

 يا فارس الألحان ما كنت يومًا حملًا عليك ولا ثقلًا، مسجون بالزاوية المهملة، تلك المساحة الخارجة عن حسابات نظرك.

 لكنك في حركة خاطفة حملتني فوق قلبك، القيت بي فوق الأريكة، ظننت لوهلة أنك تتعمد كسري، وتهشيمي، تخلع شال الشتاء، جواربك، معطفك، وتخفف من أحمالك.

 إليك أتيت برياح الشرق أنفاسي تتخلل عروقك، أعصابك، مسامك، جليدك تصهره أصهرك.


تمسح بكفيك عني الغبار . 

 تريح جسدي الواقف منذ أمد دهر سنوات شهور أيام لا أعلم عدها.. 

تمسك بعنقي الخشبي تجذبني إليك، وتسيل ابتساماتك، رحيقك .. يطل الربيع من وجهك، فتشرق الأرض بألوان الفرح السبع العازفة على خصري أنا قيثارة البهجة والسلام.


تضم عنقك إلي تضم عنقي إليك،

تضمني إلى صدرك ويستحيل القلب الأزرق إلى قلبك الأحمر، تنبت وردة زرعتها ذات يوم بخصلة شِعري، بين ذراعيك أستلقي، تنغرز الأصابع تتشابك اللحن يجذب اللحن، الوتر على الوتر، تقطف ثماري، وتعصر من ليموني السقلي، تلعب على أوتاري، على الوتر الأول ، على الوتر الثالث، والثاني، والرابع قلبي. يا رفيق الروح مهلاً ..

إنك تراقص قيثارة مسكينة بخصر رائع وحلاوة قدّ، بلا يد!!

بلا ذراعين يتعلقان بعنقك، بلا أظافر تخدش، بلا أسنان تنهش!!


 دمية تحركها يداك، تشدني تارة تدور بي أخرى، تشدني إلى صهد صدرك بقوة تؤلمني مهلًا أيها المغفل ستقطع بذلك أوتاري..

  

أترى؟ قد قفز الوقت سريعًا، لا تنسَ ميعاد رحيلك.. فأسرع، ارتدِ قميصك الخمري الذي انتقيته لك، وساعتك ذات الحجم الكبير ، نظارتك ذات الإطار الأسود، ولا تنسَ حلاقة ذقنك قبل الرحيل، ولا تنفر من وعثاء السفر.


 ثقلت جفون الشمس و خفتت أصوات العصافير ثم اختفت،  تحملني إلى حيث مكاني وراء الباب الخلفي المنسي دائمًا.

 تقبلني مودعًا، وبحزن تقول

"انتظريني"

لكن لم تكد قدمك تنزل الدرجة الأولى من السلم الموسيقي حتى عدت إلي ضاحكًا تحمل نوتة العشق. "ستكون ليلة موسيقية تستيقظ فيها الأغصان النائمة"


رشا بكر 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قَلبي كجسدٍ عارٍ.../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

على شاطئ نهر الفيزر..... /بقلم/ حسين السالم

ما قبلّ منتصف الليل../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو