الشاعرة : ياسمين صلاح


 أنكيدو العزيز

سألتقي عشتار للمرة الأولى

ساعدني فأنا مرتبك

سألف الليث الذي افترس مائة غزالة إزارا

والوردة التي بكت عليهن رداء

أتليق الحية التي أغوتك كرابطة عنق؟

جمجمتي تنمو على لحم رأسي

اكسُها بأنفاسك الطرية

كي لا أهشم حبيبتي إن سمحت بقبلة


هل ستسمح بقبلةٍ.. أنكيدو؟

هل ستسمح لوحش مثلي أن يخربش ظلها؟


على صفحة الماء يا صديق

ننظر معا، لأشرب من بشريتك وينمو لحم وجهي

هاك لساني الرمادي، صنفره جيدا

ازرع فيه رئتيك الحيتين

ليليق بأن يُزرع بساحات صمتها الإلهي.


صوتها الناري يشعل الغابة؛ 

فتخلق الشمس

تطفؤها بحليبها الناهد؛

فتسجد الشمس

تعقد شعرها للخلف..

لتركز في فعل الخلق

تذوب العناصر بين يديها

على كتفيها الأخضرين

شجرتا أرزٍ

فيخلق العطش

على بطنها العاجي

مائدة دائرية

فيخلق الجوع


تلثغ بريقِها التراب

ليراق نهر وتسبح سمكة

تُزاوج الذئاب مع الخراف

وترعى الولادة المقدسة

لكائنات خرافية



عشتار...

عانقيني

لأصير إلها كاملا

أو بشريا كاملا

أي صورة تجعلني جديرا بحبك


أنتِ قصر عظيم يتحطم فيه الأبطال

أنا شاب والشباب كثير الحماس

أنتِ طموحي وطموحي بعيد


خمبابا الذي خلقتيه من كل الذين أحبوكِ..

الأسد الذي صار هرا،

البغل الذي صار حصانا،

الريشة التي صارت طاووسا،

الشوكة التي صارت وردة،

والنخلة التي صارت تموز الحبيب

خمبابا ليس كسائر الخلائق

هو ثيابك طرزتيها منهم جميعا

فخرج قويا ناعما مثلك

له زئير كالموسيقى

 فأس توصل ولا تقطع

قرونه أصابعك الحمراء

عين واحدة تراكِ وحدك

وحين يلوح أمامه ظلٌّ يقاسمه صورتك

يتنفس موتا


اكبحي جماح خمبابا

قولي لي:

 تعال يا جلجامش وكن عريسا

هبني ثمارك هدية

خذيني في زمرة الآلهة

إليكِ غلة السهل والجبل

إليكِ عنزاتي ونعاجي

قلبي منصة قدميكِ والعتبة

عفاريتي أطفالك

وعاصفتي تحملك أنّى شئتي


عشتار.. 

صمتك الإلهي سيقتلنا

احترس أنكيدو احترس

ينقض عليه الثور يقتله

ويلمح الحب في عيني جلجامش

يقول الثور: " لا أقتل قتيلا "


أحدق من هالة من العتمة

أنكيدو نمت.. نمت؟!!

من سيخض معي قِرب الصباح؟

من سيضفر الجعة على جبهة اللذة؟ 

من سيحفر معي كوة الشمس حيث تشرق؟

من سيصعد معي على أسوار أوروك ليعلق القمر كل مساء؟


ليبكك الشمس والقمر،

قِرب الصباح وضفائر الجعة

وكل ما يملك عينين

قد صار الكل يملك عينين إلا أنا



كيف قتلك الشيطان يا خِلّي؟

لو نظر فيك لرآك كرةً من الحب

 لأن حبك أحياك.. فقدتُك

لأن حبي قتلني.. فقدتُك

كنت تحمل في أكمامك فطائر الحب

تُطعم الكائنات العالقة في الحياة

ها أنت تطعم الموت وتتركني جائعا


أنا جائع أنكيدو

أنت أخذت كل شهيتي

قطعت لساني

وفقأت المعدة

أراك توزع فطائرك على الموتى

تمنحهم حياتك وتغني معهم

ليتني ميتا الآن يا صاح

أسلحتي صدأت بمجرد موتك

جلدي صار كجلد العجائز 

انكمشتُ كأن السماء صارت ثقب إبرة

دموعي

الرشفة الأخيرة لكل الذين ملّوا

نقطة ماءٍ واحدة تغوي بحرا أن يتشكل

حطب مبلل لا يصلح للاشتعال


ستجتمع الآلهة مرة أخرى

ستدرك أنها ارتكبت خطيئة

لن يكفيَها أن تصلب من أجلها البشرية.


ياسمين صلاح

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما قبلّ منتصف الليل../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

قَلبي كجسدٍ عارٍ.../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

عرفت فيك هيئة الانسان../بقلم/ مارييل تونجال