الشاعر : حسين الضاهر
اعذريني
لا أستطيع الاقتراب أكثر
قدماي مكبّلتان بملايين الأوراق الثبوتية والأختام
يداي فأس فقدت أسنانها
فصارت سكة تداعب خاصرة الأرض
وتلقي القمح في أفواه العصافير العاجزة
فمي زنزانة لآلاف الأجوبة المظلومة
والحرب ثوبٌ لا تكفيه حقيبة واحدة لنركب حافلة النسيان ونمضي...
الحرب موت لمرّة واحدة
السّلْم موت لثلاثين مرة قبل الموت
فاعذري هذه الجثة المرميّة فوق الرخام
ربما لم تواظب على تناول الحقيقة
وبقيت تتلصّص عليكِ من شرفة البرزخ.
في البدء لم يكن هناك شيء
فقط سؤال يتبختر كخنجر على حنجرة "مين ربك ولاك؟"
والأرض لم تكن قرية صغيرة
الأرض حاجزٌ كبير
كالمسافة في مخيّلة طفل، يشير إلى مقدار حبّه لأمه بانفراجة ذراعين
لكن الضّابط يلقي القبض على كل شيء يمرّ
متذرّعًا أن آدم كسر هويّته حين هبط إلى الأرض
الهبوط ثورة
الصعود ثورة
التفاحة الأولى ثورة
حمّالة صدركِ ثورة؛ تسقُط وتُسقِط كل أقنعة الرغبة.
والآن
بعد كلّ هذا الخراب
أحبّ فتاة تحبّ اللون الأصفر
ورائحة العجز المعشّشة تحت أظافري
فتاة من رمل
تتسلّل من بين أصابعي كل ليلة
قبل أن أفكّ وثاق غريزتي
فتاة من ريح
تداعب بقايا شعري الناجي من مجازر الجنون
فتاة افتراضية
ترسل صوتها الخزفي بتسجيل مغلّف بأوراق الصحف
وصور المفقودين
تقول: أحبّك
فتغرق الغرفة بشبر موسيقا
أقول: أحبّكِ
فتنبت سكين أخرى في ظهر المسافة.
هكذا يُقتل الملل في عصر "الميديا" والحروب النظيفة
هكذا ينبت الحبّ البلاستيكي
والورد البلاستيكي
والوجوه الواجمة
للملل أقول:
هاتِ سحابتك الخريفية لنصنع مشنقة للأصدقاء
للحبّ أقول:
في جوفي مئات القتلى وأطنان من القطن الطبّي
للورد أقول:
حضّر مخالبك الطرية
للوجوه أقول:
نعم، لا شيء يمكن أن يمحو هذا الصّحو أكثر من رصاصة عاقلة
لكِ أقول:
اعذريني لا أستطيع الاقتراب أكثر.
بينما تحضّرين الأجوبة للعشب الفضوليّ
بينما تمسحين مرآة المرحلة؛ طمعاً بعناق أقرب
بينما تفكّرين بمفردة جديدة تفسّر الحبّ بأنه لم يكن مصيدة وردية
لربّما تفكّكين مكوّنات قهوتك الصباحية الخجولة على الطرف الآخر من الكوكب
بينما تفعلين كلّ ذلك ببطء أو بسرعة عدّاء كينيّ
أنتظر هنا
كمارد انتزع معجزات الشرق من تحت جلده
وأبدلها بصفحة (Word)
صفحة فارغة
سيتسلّقها نمل القصيدة بعد قليل
ساحلًا مفردات العشق من أذنها
بعدها
لن يكون كانون جحرًا للوحدة.
نملة أولى:
قبل الآن لم أكن مؤمناً بضحكات الينابيع
ولا بالصور المتبسّمة على واجهات محال التصوير
كنت جنديًا في سرب نمل الحياة؛ أحفظ رائحة "الغليكوز" وكعوب أحذية المارة
ثم أغرق رغمًا عن ذاكرتي في كأس شاي وسيجارة.
نملة ثانية:
مطر... مطر
في كتاب الصف الثاني
أنشودة لأطفال لم يختبروا الغرق، أو ربما اختبروه مؤخرًا
ويوم تعيس لنملة لاجئة تشبهني.
نملة ثالثة:
في "مرطبان" السكر سنلتقي
مثل جائعين لقبلة
حينها ستنتهي الحكاية على أتفه ما يرام.
نمل... نمل...
يحفر في تربة الفكرة الهشّة
لتكون القصيدة ثقبًا ندفن فيه نجوم هذه الليالي السعيدة.
تعودين من عملكِ في وقت متأخّر
حينها تكون العيون قد بلغت فطامها
فأرضعها صورة أخيرة لوجهك الحليبيّ
وأرخي جثة أحلامي على هذا الفراش الذي لم يبرح مكانه منذ كانت الكلمة
في الحلم؛
تسقط ورقة التوت عن وجهي
فيراني الحشد نملة عاشقة سعيدة الحظ.
من مجموعة (مشاهد يتلوها البدوي)
حسين الضاهر
تعليقات
إرسال تعليق