هيّا نهرب.... /بقلم/ عائشة بلحاج
هيّا نهرب
لطالما كانت الأرض أساس الثروة التي شكّلت محور الصّراع البشري منذ بداية التاريخ، وحافز الهجرات الأكبر من منطقة إلى أخرى، ومن قارة إلى غيرها. ويبدو أنّها ستبقى كذلك، مع فارق كبير هو أنها ستقود هذه المرّة إلى مغادرة الكوكب كلّه، نحو ما تخبّئه السّماء من "أراضٍ" على كواكب أخرى. وهو ما حاول الروائيون والمخرجون التّنبيه له منذ فترة طويلة، في سيناريوهات نهاية العالم التي نعرف. وهي اللّحظة التي لن تعود الأرض فيها صالحة للعيش، ويضطر البشر للفرار نحو السّماء، أو الاختباء في "كانتونات" مُجهزة لحمايتهم من الدمار الذي سيعمّ الأرض.
ذهب فيلم "ذكريات" (Reminiscence) في المسار نفسه، لكن بشكل مختلف؛ إذ قدم لنا مصير الأرض بعد الطّوفان، وسيادة الماء على الأرض، بشكل غير مسبوق، وصادم في واقعيته. حيث نرى البرّ في شكل بضاعة نادرة، لا يملكها إلّا الأغنياء، ما أشعل حروبا على ما تبقّى من يابسة. وإذا كان الأقوياء قد استفردوا بما غنموه من بر، فإنّ الآخرون اكتفوا بالعيش في مباني تصعد المياه تدريجيا في طبقاتها الأرضية، قبل أن تغمرها كليا، في الانقراض التّدريجي لليابسة.
هذا ليس خيالّا بل إنه أقرب إلينا مما نظن؛ إذ تشير المعطيات الأخيرة أنه ابتداء من العشر سنين القادمة، ستبدأ الأرض في التلاشي تحت البحر. وستكون الجزر والمدن السّاحلية أول الضّحايا. هكذا وفي "شربة مية" ستختفي أجمل أرخبيلات العالم، من المالديف والسيشيل وموريشيوس وغيرها. وستغرق أكبر المدن المحيطة بالماء نهرا أو بحرا، من لندن إلى الإسكندرية إلى دبي إلى نيويورك إلى الدار البيضاء. وبلا شك مدينة مثل فينيسيا، أو دولة مثل هولندا هي الأراضي المنخفضة بذاتها، ستكون في مقدمة ما يختفي من يابسة تحت جبروت الماء.
من جهة أخرى، لن يكون الماء الخطر الوحيد على الأرض، بل ينافسه نقيضه النار؛ فالحرائق الأخيرة جزء من تداعيات تضرّر المناخ، وتواصِل الاستغلال المُدمّر للطبيعة والاستهلاك المفرط، وصناعة كل ما يستطيع الإنسان التوصّل إليه من سموم تكفي للقضاء على مجرّة كاملة، إن تم إطلاق كل الأسلحة النووية والجرثومية التي يمتلكها هذا الكائن الجحود للطبيعة، الذي لا يتوقف عن السعي الحثيث لوضع اليد على أراضي جديدة للبناء.
الغابات رئة العالم، لكن العالم مشغول عن حماية الحق في التنفس، بالسّعي خلف المال والبناء، وبتدمير كل ما هو طبيعي، لصالح كل ما هو اصطناعي. ومقابل كل ربح يدسّه في جيبه، يخسر قطعة من سعادته، التي قد تكون في قارة الروح، حيث تُدمّره الأمراض النفسية الناتجة عن نمط الحياة المعاصر ذو الإيقاع المجنون، أو في جسده ووعائه المادي، بالإصابة بالأمراض السّرطانية والوبائية، وغيرها مما لم يجد له الطب علاجا. حينها لن يملك أحد لأحد مهربا، ويتضح كم أنّ المال عديم الجدوى، ويودّ حينها أحدهم لو يعيش حياة مديدة في كوخ في الغابات، لكن للأسف لن تكون هناك غابات، غير غابات الإسمنت.
عائشة بلحاج
تعليقات
إرسال تعليق