أزمة كاتبة عربية.. /بقلم/ هيلانة الشيخ
كان أجمل حلمٍ أغزله كلما وضعت رأسي على الوسادة؛ أن أمتلك خزانةً من الأحذية.
في المدرسة الفتيات يستبدلن أحذيتهن كل شهر، وفاطمة بالذات تستعرض أحذيتها كل أسبوع؛ مرةً تحضر بحذاءٍ وردي، ومرةً أبيض ومرةً بنيّ برّاق، فوالدها تاجر أحذية يملك دكانًا صغيرًا في قِباء.
كنت أتأمل حذاءها خلسةً عندما يسقط مني قلم الرصاص فأنحني لجلبه، كنّا أطفالًا لكن تؤلمنا الفوارق؛ في ذات الصف فتاة سمراء يتيمة ترتدي حذاءً ممزقًا من العام الماضي، لم أكن أدرك أن حذائي جيد يفي بالغرض حتى انخلع جزء من نعل الفردة اليمنى، وجدتها حجة مناسبة حينها وأسرعت إلى والدتي ممتلئة بالفرح: "ماما انخلعت هذه الفردة، بدّي واحد زهري جديد"
لم يكن لدي أدنى شك أن والدتي ستشتري لي الحذاء الذي أحلم به!
لكن الصدمة عندما قالت غاضبة: أنت تعمدت اتلافها! عقابًا لك لن أشتري حذاءً جديدًا.
فبكيت وصرخت: لماذا؟ كيف أذهب غدًا؟
فردت مدبرةً عن وجهي: لا تحاولي، لا حذاء لك حتى بداية العام الدراسي الجديد.
هكذا هو نظام عائلتي؛ حذاء واحد طيلة العام مهما كان مصيره عليّ تحمّل نتيجة إهمالي، عدا مواعظ ودروس والدي: من يتلف أدواته لا بديل لها، من يكسر قلمه يشتري قلمًا من المصروف، من يُضيع مسطرة أو دفترًا يشتري من حصّالته.
أرقني هذا الحلم وعرفت كم هو مؤلم أن أسير بين زميلاتي بفردةٍ مخلوعة النعل، كلما حاولت مشاركتهن في اللعب أثناء الفسحة أتذكر أنه في حال سيء وقد يسقط مني ويفتضح أمري! وعندما نتزاحم في الطابور أحاول إخفاء اليمنى باليسرى كي لا يلمحن العطب، وإن انزلقت قدمي بكيت وجلست متربعة أخبئ قدمي بالمريول، وأعود حزينة إلى المنزل، أنتظر نهاية عام دراسي لعين وبداية عام جديد لأقتني واحدًا بكعبٍ عالٍ أو برّاقًا لونه ورديٌّ أو أبيض…. وكبرت وصار خزانتي مزدحمة بالأحذية من كل لون زوجين، أرتبها وأحتضنها قبل النوم، هكذا كنت أحلم كلما وضعت رأسي على الوسادة، وأرسم فتاةً ترتدي كعبًا عاليًا وفستانًا قصيرًا وترقص.
لكن اليوم لا تسعفني المقاسات فأقتني واحدًا فقط كل سنة، ولا أخجل من السير به وإن انكسر كعبه خلعته وسرت حافية، فقدت مزقت جميع أحلامي واكتفيت بحلمٍ وحيد: أريد قلمًا يرسم أحلام أطفال الفقراء ويكتب عن أوجاع الطريق.
#أزمة_كاتبة_عربية
هيلانة الشيخ
تعليقات
إرسال تعليق