اليومُ الأَعسَرُ....❤️ بقلم ❤️ رغد فادي سقيّر


 ||اليومُ الأَعسَرُ||..


رَعشَةٌ تُشابهُ رَعشَةَ الموت تَجتاحُني كلّما تذّكرتُ يومَنا ذاكَ الّذي حَسبتُهُ الأجمَل..

استيقظتُ عَلى ملمس يدين تُدغدغني بخفّة؛كان صاحبُهُما صَديقي(التّفاؤل) يُداعبُني؛يُدغدغُني..

أوّاه؛اشتقتُكَ يا صَديقي؛قَد طالَ غيابُكَ مُنذُ مدّة لَم تَزُرني؛عانقَني؛قبّلني؛من ثمّ نهضتُ و إيّاهُ عَلى عجلة خوفَ أَن نتأخّر عَلى ميعادنا معك؛اتّجهنا على الفور نحوَ خزانتي الفوضويّة -كما تقولُ أمّي-

اتّجهنا إليها و إذ بصديقتي(الحيرة)تُفاجئني بانتظارها إيّاي أمامها كَما تفعلُ في كلّ موعد هامّ؛فهي تعشقُ التّدخلَ في انتقاء ملابسي في تلكَ المواعيد..

فتحتُ الخزانة؛و قد أغضبتني صديقتي فتارةً تُمسكُ السّترة السوداء و ترمها قائلةً:لا؛ليست جميلةً كفاية؛و تارة تمسك الحمراءَ و تُعيد ال(لا) محتجةً:قد رآك بها..

و غَضبَ صديقي التّفاؤل أيضاً فاقتربَ إلى أُذُني هامساً:دَعك من هذه البلهاء عديمة الرّأي الثّابت؛إنّه يومك الورديّ فارتدي الورديّ يا وردتي؛و أُعجبتُ برأيه فهممتُ على الفور بتنفيذه؛أمّا صديقتي الحيرة فحزنت لأنّني لم أنصت لها و همّت بالمُغادرة،و لم أكُن أمتلكُ الوقتَ لردعها؛فتركتُها تذهب؛و بقيَ صديقي التّفاؤل برفقتي يساعدُني..

صفّفتُ و إيّاهُ شَعري و وضعتُ أَحمرَ شفاه خفيف؛و ارتديتُ حقيبة ظَهر وضعتُ بها الهديّة..

هديتك..

فقد كانَ يومَ مولدك يا حَبيبَ الرّوح و شاقيها..

أَيومٌ منَ الأيّام أحسبهُ الأجمل سواه؟!!..

وقفتُ أمامَ مرآتي أُدرّب نفسي كَيفَ سأحدّثك؟!؛كيفَ سأقولُ لكَ:كلّ عام و أنت بخير؟!؛بأيّ طريقة؟!؛بأيّ نبرة؟!؛إنّه ميلادك الأوّل برفقتي..

في تلكَ اللّحظات كانَ صديقي التفاؤل يستعدّ للمُغادرة فاقترحتُ عليه مُرافقتي شرطَ أن يبقى مُختبئاً في حقيبتي؛فهوَ نادراً ما يزورني؛كما أنّني أرهقتهُ اليومَ بالأعمال معي؛و وجودهُ يمنحُني طاقةً إيجابية كبيرة..

وافقَ على الاقتراح؛حينها فَقَط مشيتُ في دربي بخطىً واثقة؛و حينَ وصلتُ الجامعة شاهدتكَ تقفُ برفقة جمع من رفاقك؛فلم أُنادكَ؛و فكّرتُ أنّهم لربّما يعايدونكَ فقد كانَ يومَ مولدك كما أسلفت..

شُغلتُ و تَشاغلتُ مَع صديقاتي قَليلاً ثمّ حانَ وقتُ مُحاضرتي فدخلت؛و حينَ انتهت المُحاضرة خرجتُ و رحـتُ أبحثُ بعينيّ عنكَ ولهى على وسع المكان؛أَيعقلُ أن تكونَ قد غادرتَ لطارئ ما قبلَ أن أُعايدكَ و أُقدّم لكَ الهديّة؟!!..

شَعرتُ بحمل ثقيل يتراخى فوقَ قلبي؛لكن سُرعانَ ما تجلّى فقد عثرتُ عليك؛كنتَ تقفُ في إحدى الزّوايا مع جمع آخر منَ الرّفاق؛لكن في هذه المرّة سأناديكَ فقد انتابني الخوفُ أن تغادرَ قبلَ أن أتمنّى لكَ عيدَ مولد سعيد؛و عيدَ مولد قادم و مَقامكَ في قلبي يكبرُ و يزيد..

هتفتُ باسمكَ من بين الجُموع مُناديةً إيّاك إليّ..

أَتيتني و لونُ سُترتي الورديّ عَلى في تلكَ اللّحظة وجنتيّ..

أَزهرت وجنتيّ؛لا بَل أَزهرتُ كلّي؛حينما أَلقيتَ تحيتك عليّ..

لكنّك عَلى غير سجيّتك..

كُنتَ رسمياً بارداً؛بذهنكَ شارداً ممّا أثارَ التّعجبَ فيّ!!..

فما بالُ حبيبي الغالي ليس بخير؟!؛ما بالُ حبيبي إلى جانبي مهموماً يسير؟!..

سألتكَ وأجبتني:هُناكَ ما أودّ إخبارك به؛و لستُ أدري كيف..

-أخبرني كيفما تشاء؛بالتّأكيد سأفهمك..

-سنفترق..

قُلتها جاهلاً شُعوريَ القويّ..

ماذا سنفترق؟!؛لمَ سنفترق؟!؛كيفَ في كلمة تضيعُ من بين يديّ؟!!!

-يجبُ أن نفترق..

قُلتها؛كرّرتها؛كيفَ أُخبركَ أنّكَ و تفاصيلُكَ الصّغرى؛و طلّتك الأبهى غدوتُم أغلى ما لديّ؟!..

كيفَ في ثانية انقلبت دُنيايَ عليّ؟!!..

قُلتها و أَمعنتَ النّظر فيّ..

و حملقتَ بالدّمعة الجامدة في مُقلتيّ..

و بُهرتَ كيفَ رُبطَ لساني بألف عُقدة عُقدَ كإبرة و خيط مع شفتيّ..

وقفتُ مذهولةً لا أقوى على سؤالكَ أيّ شيء..

لا كيفَ و لا لمَ..

رُغمَ آلاف الأسئلة الدّائرة في رأسي..

رُغمَ جسدي الّذي غدا مُتثاقلاً لا تقوى على حمله قدميّ..

واسيتُ نفسي بابتسامة؛و قنّعت وجهي بلون مُشرق مُصطنع بهيّ..

اكتفيتُ بجملة واحدة قُلتُها لك:طلبٌ أخير؛لا ترفضهُ لي..

-حَسَناً تفضلي..

بادرتُ بإخراج هديّتي؛من كنف حقيبتي؛و قد لمحتُ صديقي التّفاؤل كيفَ كانَ يبكي بحرقة لحالتي..

قدّمتُها لكَ؛و قُلتُ بنبرة كانَ ارتجافُها واضحاً:كلّ عام و أنتَ بخير؛تناولتَها منّي؛و فجأةً في تلك اللّحظة طرقَ المكان صوتُ أذان الظّهر المسموع بوضوح منَ الجامع المُلاصق لكلّيتنا:

-اللّه أكبَر؛اللّه أكبَر؛اللّه أكبَر؛اللّه أكبَر..

راودَني الشّعورُ بأنّ تلكَ المُصادفة الرّبانية في تلكَ اللّحظة كانت بمثابة التّشييع الأخير لجُثمان علاقتنا؛و حبّي الوفيّ..

قُلنا بصوت واحد:اللّه أكبر؛و تودّعنا..

ثم خرجتُ مسرعةً خشيةَ أن يلمحَ أحدٌ من الأصدقاء أو حتّى الغُرباء بحرَ الحُزن الذي صبّ في عينيّ..

و أسقطتُ على إثر عجلتي صديقي(التّفاؤل) من حقيبتي؛فقد نسيتُها مفتوحة؛و لم ألحَظ ذلكَ إلى أن وصلتُ منزلي؛و دخلتُ غُرفتي؛جئتُ أقومُ بفتحها لأُخرجهُ منها؛فوجدتُها مفتوحةً و ما لَه أيّ أثر داخلها

كانَ يومَ الفقدان الكبير..

كانَ بما تحملُهُ الكلمة من معان(يوماً عسير)..

بَل أعسرَ يوم؛أسرتني الكآبةُ به في زنزانتها..

و حتّى هذا اليوم سجينةٌ أنا بينَ جُدرانها بلا تحرير..

مع دمع وفير..

و مخزون من الذّكريات كبير..

و فؤاد على الاحتمال صغير..

و روح ما بأست تعشقُكَ..

تعشقُكَ حدّ التّدمير..

تعشقُكَ حدّ التّدمير..



||رغد فادي سقيّر|| .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما قبلّ منتصف الليل../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

قَلبي كجسدٍ عارٍ.../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

عرفت فيك هيئة الانسان../بقلم/ مارييل تونجال