غزل من حجر 🖤 بقلم 🖤 رجاء يوسف


 لم أكن أعرف ذاك الفارس إلا من نحيب النساء عليه، ومن دموع الفتيات،ومن ثرثرة الإعلام الإخبارية التي ضجت رقصة النيران القاتلة من حناجرها. لم أعرف عن ذاك الشاب الخارج من حدائق الرصاص وشظاياها سوى صورته العالقة في فك القنوات وألسنة الشبان، وفي سجل الثوار الأحياء الموتى، وعلى جدران البيوت التي خيم عليها الحزن باكرا! أستيقظ الفارس من غسق الليل ومن رحيق العسل والياسمين. استقل سيارته،يبحث عن وطنه في الوطن،حاملاً دمه على كف، وسكرات الموت في كفه الأخرى، تدق أجراس الثورة على محياه، يتمطى في سكون شديد, وقلبه الصخري ،كما لو إنه غزل من حجارة الوطن.

بصره معلق على الحاجز  في منتصف المدينة يحيطه نعيق الغربان المدججون بالسلاح. يتقدم بثبات صوب الحثالة, يتقن نزع الخوف من قلبه الصخري , وكأنه يهتف بأسم الأسرى والمسرى, باسم النساء وضربات الجنود على رؤوسهن, باسم الثائر والثورة وباسم الجيوش العربية النائمة في سُبات بغيض! أخذ يصوب بكل ما أوتي من قوة الله على رؤوس الجنود, يتقن لغة التصويب يرمي الرصاص على أجساد الغربان بحبكة شديدة , قذف في قلوبهم الرعب. يتقدم تارة, ويفر تارة أخرى ضاغطا على زناد بندقيته ليروي ظمأ الوطن الحزين من عويل الجنود وهم مطروحين أرضا تتدفق الدماء من أجسادهم الممسوخة !! لم ينته من معركته الانتقامية, ولم يفر من مواجهة الموت المكتوب في الصحف. أطلق الجنود الرصاص عليه, عشرات الجنود  طوقوا جسد الشاب بالنيران الحاقدة, ثائرا وحيدا ينثر رماده على لحن أغنية الوطن, اخترق الرصاص كل شبر في جسده، تفتفت عظامه، لكنه أبى الخضوع, ظل يطلق الرصاص صوب الجنود , وهو بين طيات الموت وكأنه ينفض غبار سكراته, حتى غادرت آخر أنفاسه.

 هند جسده الثائر مثقوبا من الرصاص شهيدا , ناحت عليه الطيور في أعشاشها, ونسوة المدينة, والسماء دلفت دمعها عليه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما قبلّ منتصف الليل../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

قَلبي كجسدٍ عارٍ.../بقلم/ الشاعرة روز ميرزو

عرفت فيك هيئة الانسان../بقلم/ مارييل تونجال