من دايون ظل يتيم في حقيبة يدي . 🖤 بقلم 🖤 أفين حمو


 1. ظل يتيم في حقيبة يدي (من القسم الأول)


​في حقيبتي

أحتفظ بمنديل جدّي

أحمله دائمًا كأنه خريطة

لكنه لا يدلّني على مكان

​كل طيّة فيه

تشبه خطوط يديه

حين كان يمسح عن وجهي دموعًا

لا أعرف مصدرها

​ذات مساء

فكرت أن أغسله

لكنني خفت أن أفقد رائحة التبغ القديمة

وصوت الحكايات

الذي يتسلل من بين خيوطه الممزقة

​كلما وضعت يدي في الحقيبة

أتحسس المنديل

كأنني أتأكد أن شيئًا مني

ما زال يحتفظ بجذوره

في أرضٍ لم يعد لها وجود.


​2. وصايا الفجر (من القسم الأول)

​أيها العابر من جسدي

خذ معك ظلي حين تخرج

لا طائل لي فيه

ولا أريده أن يذكرني بخفّك المبتل بالهزائم

​في داخلي نهر

يبدّل مياهه كلما ابتسمت

كأنه يشك في أن يبلّلني

ويكسر مجاديفه قلقًا من فطرته

حين أقول له وداعًا

​كنت أقطف الليمون بأرق

من أشجار لا تنجب

ولا تثمر إلا في أحلامي

كل حبّة كانت تشبه وجهي

حين أنتهي من العويل

​في فجرٍ نقي

من حقلٍ متجانسٍ من القصب.

وعند حافة النقاء، ارتفع الصمت.

مرّ الزمن أمامي

حافيًا مثل طفلٍ نسي صندله

والقيامة تكتمل

​ناداني باسمي الذي لا يعرفه أحد

وقال :

أعطِني شيئًا يُنقذ هذا العطش

العاصي المتشبّث بوصاياه على كتف الزمن.

ناولته قلبي المعتصم بهلعه

​ظننته سيأكله نيئًا

كفاكهةٍ صيفيةٍ مكتملة

لكنه ضغطه بغضبٍ بين كفّيه

حتى انقضّ منه النهر كاملاً

على حجر النثر البارد.

​منذ ذلك اليوم

أشرب الماء بأنامل فارغة على جرعتين

واحدة لأطفئ تشريع غوص نصل موتي

في بيادر الأرواح المعتمة

وأخرى لأتذكّرك

حين تبتلّ قدماي بالوصايا المتعبة

في فجرٍ حزينٍ بالحلم.


​3. نداء في الريح العمياء (من القسم الأول)

​أيها الرجل

​المتأرجح بين كفّي

​كساعة كسرتُ عقاربها

​لأبقيك عالقًا

​في لحظة لا تنتهي

​أنتَ نداء بدائي

​يمشي على قدمين

​وأنا...

​لغز بلا وجه

​امرأة تتعلم أن تُنبت أشواكها من كل قبلة تطفئها

​لا تدع عريك يربكني

​فأنا أرى صدرك كصحراء

​والرغبة قافلة تضيع في سرابها

​تعال

لنقسم الليل نصفين

​أعطيك شهيقي الملوث

​وتعطيني صمتك المبتل

​في عينيك مطر لا يصل

​وفي أصابعي

​جمرة تكتبك بلا اسم

​كلانا غريب

كلانا يبحث عن وطن في ذاكرة الجسد

​أنا امرأة

وأنت شاهد قبري

​أحب أن أخسر فيك

​كما تخسر الريح كل أوراقها

​في حضن شجرة عمياء.


​4. برق يخاف أن يولد (من القسم الثاني)

​لا أزهرُ لكَ لأغويك

ولا أنحني كغصنٍ مثخنٍ بالخذلان في حضرة الريح

​أنا مثل حجارةِ نهرٍ

تُصغي للماء

ولا تغتسل لتصلّي في محرابه

​لا أفتحُ صدري الثابت للسماء

كي لا تتهـاوى على جسدي بسفنٍ من القُبَل

ولا أتركُ قلبي المتحوّل طعنةً للعابرين

​أنا التي تمشي على ظلّها المرتخي

كي لا يراها أحد

​أقول للمرآة

لن أكون انعكاسك الذي لا يؤتمن على خلاف

​وللبحر

لن أكون غريقك

مرتشفًا كؤوسًا من نبيذك لأنتفخ

​في الليل

أربطُ شعري برقعةٍ من جلده الأفعواني

وأترك اسمي على العتبة

فتسمع شهيق العابرين

لتخطئني لغة القادمين

​أنا التي تعلّمت أن تضحك

حين تنكسر

أن تقول "أنا"

ولا تعني أحدًا

​لا ورد منثور في لغتي

ولا صلاة لآلهة مغشوشة في فمي

​لكنني

حين يشتدّ الصمتُ بي

أصيرُ برقًا

يخاف أن يولد فيقتل.


​5. عندما أحببت ظل الوهم (من القسم الثاني)

​يسألني الناسُ كيف أظلُّ

وقلبي في عصرٍ يلتهمُ النبضَ

كأنني نبتةٌ في غيرِ أرضها.

​الخوفُ يتسللُ في عروقي

يوقظُ الوجعَ النائمَ كذئبٍ

في ليلٍ جائعٍ لا يرحم.

​يظنّون أنهم يفهمونَ

لكنهم لا يسمعونَ صراخَ الدمِ في أوردتي.

​الحياةُ تتسرّبُ من بين يديّ كحباتِ رمالٍ،

على حافةِ سكينٍ خفيّ.

​أعرفُ الوحدةَ

كما تعرفُ السفينةُ

سكونَ البحرِ وموتَ البحارة.

​أخافُ الظلالَ التي تسيرُ خلفي

والليلُ سجانٌ

يهوي على حلمي.

​لكنني أتشبثُ بالحلمِ

أقاتلُ الغروبَ

أمسكُ بعباءةِ الشفق،

أحاولُ ألا يموتَ النهار.

​أدسُّ حضوركَ في داخلي

أستغيثُ بحرفكَ الضائع

بحبٍ لا يُقال.

​كم كنتُ أتمنى الغرقَ فيكَ حتى يصبحَ الغرقُ محرَّمًا.

​لو أن ضوءكَ ملأ فراغاتي

كنجومٍ منسيةٍ

يعيدُ ترتيبَ الفوضى

ويكتبُ حياتي بحروفِ رماد.

​إني أَتلاشى

رويدا

رويدا

تتفلتُ الحياةُ من روحي.

​الشتاءُ بدونكَ يهزمني

تطاردني ظلالُ الموت.

لكنني لن أستسلم

يكفيني حضورُكَ الغائمُ وصوتُكَ البعيد.

​وحدتي رفيقتي،

وصمتُكَ شراعي الممزق.

أبحرُ ولا أبحر.

​والآن

لستُ بحاجةٍ لعينيكَ.

أنتَ أكذوبةٌ كبرى...

وحلمٌ محرَّم.

​وربما كان الوهمُ في عينيّ،

أبصرتُ ما لم يكن موجودًا.


أفين حمو 

من ديوان ظل يتيم في حقيبة يدي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خلقتُ ...أَسموني جدلا".../بقلم/ نسرين سليمان

فلسفة الوجود... 🖤 بقلم 🖤 أمال عيد

مذكرات إمرأة 🖤 بقلم 🖤 أمل الجهيم